روض الرياحين من أقوال العارفين
فلنبدأ على بركة الله بهذه القطوف اليانعة من أقوال سيدنا شيخنا الأكبر العارف بالله أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وقدّس سره ونفعنا به، نقتبسها من كتاب (لطائف المنن) لإبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه ونفعنا به:
"حقيقة القرب أن تغيب في القرب عن القرب لعظيم القرب، كمن يشم رائحة المسك فلا يزال يدنو منها، وكلما دنا منها تزايد ءيحها، فلما دخل البيت الذي هو فيه انقطعت رائحته عنه" ص58
"إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان والإيقان، فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان، وإنا لا نرى أحداً من الخلق، هل في الوجود أحد سوى الملك الحق ؟ وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشته لم تجده شيئاً" ص58.
"لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع" ص60
"المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيء سواه، فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصنا بمعرفته، والروح مأخوذة في حضرته، والسر مغموراً في مشاهدته، والعبد يستزيد فيزاد، ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسى حلل التقريب على بساط القربة، ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم، فمن أجل ذلك قالوا:
أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون.
قال له قائل: قد علمت الحب، فما شراب الحب ؟ وما كأس الحب ؟ ومن الساقي ؟ وما الذوق ؟ وما الشراب ؟ وما الري ؟ وما السكر ؟ وما الصحو ؟
قال: الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب؛ والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى القلوب؛ والساقي هو المتولي الأكبر للمخصوصين من أوليائه والصالحين من عباده وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه، فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظي منه بشيء نفساً أو نفسين، ثم أرخي عليه الحجاب فهو الذائق المشتاق؛ ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين فهو الشارب حقاً؛ ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة فذلك هو الري؛ وربما غاب عن المحسوس والمعقول، فلا يدري ما يقال، ولا ما يقول: فذاك هو السكر؛ وقد تدور عليهم الكؤوس وتختلف لديهم الحالات، فيردون إلى الذكر والطاعات، ولا يحجبون عن الصفات، مع تزاحم المقدورات فذلك وقت صحوهم، واتساع نظرهم، ومزيد علمهم.
فهم بنجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم؛ وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} - المجادلة22 " ص69.