قال العارف بالله السهروردي رضي الله عنه، في كتاب "عوارف المعارف":
" واعلم أن العبد لا يبلغ حقيقة التواضع إلا عند لمعان نور المشاهدة في قلبه؛ فعند ذلك تذوب النفس، وفي ذوبانها صفاؤها من غش الكبر والعجب، فتلين وتطيع للحق والخلق لمحو آثارها وسكون وهجها وغبارها،
وكان الحظ الأوفر من التواضع لنبـينا عليه السلام في أوطان القرب، كما روي عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل قالت: فقدت رسول الله ذات ليلة فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة ظنّاً مني أنه عند بعض أزواجه، فطلبته في حجر نسائه فلم أجده، فوجدته في المسجد ساجداً كالثوب الخلق وهو يقول في سجوده:
«سَجَدَ لَكَ سَوَادِي وَخَيَالِي، وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي وَأَقَرَّ بِكَ لِسَانِي، وَهَا أَنَا ذَا بَـيْنَ يَدَيْكَ، يَا عَظِيمُ يَا غَافِرَ الذَّنْبِ العَظِيمِ»
وقوله عليه السلام «سَجَدَ لَكَ سَوَادِي وَخَيَالِي» استقصاء في التواضع بمحو آثار الوجود حيث لم تتخلف ذرة منه عن السجود ظاهراً وباطناً، ومتى لم يكن للصوفي حظ من التواضع الخاص على بساط القرب لا يتوفر حظه في التواضع للخلق، وهذه سعادات إن أقبلت جاءت بكليتها. والتواضع من أشرف أخلاق الصوفية." اهـ.