آداب الزيارة
وردُّ الشبهات المثارة حولها
آداب الزيارة
كغيرها من الاَعمال التي يُتقرّب بها إلى الله تعالى، لابدّ أن تكون للزيارة سنن وآداب، ينبغي التزامها، والعمل بمقتضاها والحذر من مجاوزتها وإغفالها لما قد يجره ذلك عن خروج من السنن أحياناً، ومجاوزة للآداب أحياناً أخرى.
وقد تقدّم في (زيارة القبور وفضيلتها) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى أن يقول الزائر هجراً، أي أن يأتي بالكلام الذي لا يستقيم مع روح الدين الاِسلامي ومقاصده.
ولما كانت زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الاَولياء الصالحين ممّا عمل به المسلمون منذ الصدر الاَول، واستمروا عليه، فقد وجد الاَئمة عليهم السلام وسائر الفقهاء لزاماً تعليم الناس فقه الزيارة وسننها وآدابها، حفاظاً على صورة الدين الحنيف، وعلى صورة هذه الشعيرة من شعائره، فورد عنهم في هذا أثر كثير، يؤكد
________________________________________
( 86 )
بالمرتبة الاَولى إجماعهم على أنّها من سنن هذا الدين، وأنّها من الاَعمال التي يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى..
ونكتفي هنا بإيراد نماذج منتخبة، تحقق الغرضين معاً، شرعية الزيارة، ثمَّ سننها وآدابها.
1 ـ في حديث حسن الاِسناد عن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها، ثمَّ تأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمَّ تقوم فتسلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمَّ تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الاَيمن عند رأس القبر، وأنت مستقبل القبلة، ومنكبك الاَيسر إلى جانب القبر، ومنكبك الاَيمن مما يلي القبر، فإنّه موضع رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّك رسول الله، وأشهد أنّك محمد بن عبدالله، وأشهد أنّك قد بلغت رسالات ربّك ونصحت لاَمّتك وجاهدت في سبيل الله وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأدّيت الذي عليك من الحقّ، وأنّك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محلّ المكرّمين.
الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقرّبين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والاَرضين ومن سبّح لك يا رب العالمين من الاَولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيّك وخاصّتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم أعطه
________________________________________
( 87 )
الدرجة والوسيلة من الجنّة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الاَولون والآخرون.
اللهم إنّك قلت: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) وإنّي أتيت نبيّك مستغفراً تائباً من ذنوبي، يا رسول الله إنّي أتوجه بك إلى الله ربّي وربّك ليغفر ذنوبي».
قال: «وإذا كان لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك، فإنّها أحرى أن تُقضى إن شاء الله»(1).
وفي الحديث ما هو صريح بالتوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
أمّا استدبار القبر الشريف أثناء الدعاء فقد ورد مثله في أحاديث أُخر، كما ورد أيضاً استقباله في الدعاء، مما يدل على جواز الاَمرين، وليس في أيّهما مخالفة لاَدب الزيارة أو أدب الدعاء.
2 ـ من حديث الاِمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه الباقر عليهم السلام ، قال: «كان أبي علي بن الحسين عليهما السلام يقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسلّم عليه، ويشهد له بالبلاغ، ويدعو بما حضره، ثمَّ يسند ظهره إلى المروة(2)الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر، ويلتزق بالقبر، ويسند ظهره إلى القبر ويستقبل القبلة، فيقول: اللهم إليك ألجأت أمري، وإلى قبر محمد عبدك
____________
(1) الكافي 4 : 550 ـ 551|1 ـ كتاب الحج ـ باب دخول المدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تهذيب الاَحكام 6 : 5|1 باب3.
(2) المروة: الحجر البراق.
________________________________________
( 88 )
ورسولك أسندت ظهري، والقبلة التي رضيت لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم استقبلت...» في دعاء طويل(1).
3 ـ عن محمد بن مسعود، قال: رأيت أبا عبدالله عليه السلام انتهى إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده عليه، وقال: «أسأل الله الذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك أن يصلّي عليك»، ثمَّ قال: ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )(2).
4 ـ عن الاِمام الصادق عليه السلام : «إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأت المنبر وامسحه بيدك، وخذ برمّانتيه، وهما السفلاوان، وامسح عينيك ووجهك به، فإنّه يقال إنّه شفاء العين. وثمَّ عنده فاحمد الله وأثنِ عليه، وسل حاجتك، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة(3)، ثمَّ تأتي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فتصلّي فيه ما بدا لك، فإذا دخلت المسجد فصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم »(4).
وهو صريح بجواز التبرّك بمنبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
5 ـ نصّ زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في (الفقه على المذاهب الاَربعة).
وردت عن أعلام المذاهب الاَربعة نصوص عديدة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
____________
(1) الكافي 4 : 551|2.
(2) الكافي 4 : 552|4.
(3) الترعة: الباب الصغير.
(4) الكافي 4 : 553|1، باب المنبر والروضة، تهذيب الاَحكام 6 : 7|5.
________________________________________
( 89 )
إختار منها صاحب كتاب (الفقه على المذاهب الاَربعة) نصّاً موجزاً نسبياً، يتلوه الزائر عند قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو:
«السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّك رسول الله، فقد بلّغت الرسالة وأدّيت الاَمانة، ونصحت الاَمّة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً، فجزاك عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلّى عليك أفضل الصلاة وأزكاها، وأتمّ التحية وأنماها، اللهم اجعل نبيّنا يوم القيامة أقرب النبيين إليك، واسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبيّنا عليه السلام ، وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والاِكرام»(1).
وفي الفقرة الاَخيرة ما يدلّ على استحبابهم القصد لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم ، غير مقرون بقصد آخر «اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبيّنا عليه السلام ، وارزقنا العود إليه».
استقبال القبر واستدبار القبلة
تقدّم في حديثي الاِمامين زين العابدين والصادق عليهما السلام استحباب استقبال القبلة وجعل القبر الشريف وراء الكتف حال الدعاء عنده، وقد أشرنا هناك إلى ورود ما يدعو إلى استقبال القبر الشريف حال الدعاء والاستشفاع، وعندها تكون القبلة وراء كتف الزائر. ومما ورد في هذا:
1 ـ عن أبي حنيفة، قال: جاء أيوب السختياني، فدنا من قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستدبر القبلة، وأقبل بوجهه إلى القبر، فبكى بكاءً غير متباكٍ(2).
____________
(1) الفقه على المذاهب الاَربعة 1 : 713.
(2) شفاء السقام :74، عن مسند أبي حنيفة، لاَبي القاسم طلحة بن محمد بن جعفر.
________________________________________
( 90 )
2 ـ مالك بن أنس: في مناظرة مالك بن أنس وأبي جعفر المنصور في المسجد النبوي الشريف، قال أبو جعفر لمالك: يا أبا عبدالله، أستقبل القبلة وأدعو، أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟! بل استقبله، واستشفع به فيشفّعه الله تعالى(1).
3 ـ مذهب الشافعي وأبي حنيفة، والمنقول عن ابن عمر: استقبال القبر واستدبار القبلة.
قال الخفاجي في (نسيم الرياض): استقبال وجهه صلى الله عليه وآله وسلم واستدبار القبلة مذهب الشافعي والجمهور، ونُقل عن أبي حنيفة. وقال ابن الهمام: ما نُقل عن أبي حنيفة أنّه يستقبل القبلة مردود بما روي عن ابن عمر: أنّ من السنّة أن يستقبل القبر المكرّم ويجعل ظهره للقبلة. قال: وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة(2).
وقد تقدمت رواية أبي حنيفة عن أيوب السختياني بما يوافقه.
4 ـ إبراهيم الحربي(3): قال في مناسكه: تولّي ظهرك القبلة وتستقبل وسط القبر، وتقول: السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته(4).
في آداب زيارة مراقد الاَئمة عليهم السلام :
إنّ من تمام الوفاء بالعهد لهم عليهم السلام زيارة قبورهم.. رغبةً في زيارتهم،
____________
(1) شفاء السقام:69، ويأتي بتمامه في (التوسل).
(2) نسيم الرياض في شرح الشفا 3 : 517، الغدير 5 : 199.
(3) من كبار الحفّاظ وأهل الفقه والزهد، سمع من أحمد بن حنبل وطبقته، وكان جلساؤه يفضلونه على أحمد بن حنبل، مولده سنة 198، ووفاته سنة 285هـ، سير أعلام النبلاء: 3 : 356 ـ 372.
(4) شفاء السقام:70.
________________________________________
( 91 )
وتصديقاً لما رغبوا فيه، كما ورد عن الاِمام الرضا عليه السلام في ما تقدّم، من أجل ذلك، وحفظاً لسنن الشريعة وآدابها، لا نجد واحداً منهم عليهم السلام إلاّ وقد ورد في آداب زيارته وما يقال عنده ما فيه غنىً لقاصديهم، تعليماً وتأديباً، وما في حفظه براءة من كلّ محدَثٍ مبتَدع من الاَمور التي قد تصدر هنا أو هناك عن بعض زوار القبور، لجهالة أو لغفلة، وفيه البراءة أيضاً من كل ما لا يليق بمقاماتهم الشريفة.. ولكون هذه الآداب والتعاليم متشابهة، نكتفي بذكر القليل منها:
1 ـ في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ، عن أبي عبدالله عليه السلام : «إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام فتوضّأ واغتسل وامشِ على هنيئتك، وقل: الحمد لله الذي أكرمني بمعرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن فرض طاعته، رحمةً منه وتطوّلاً عليَّ بالاِيمان..
الحمد لله الذي سيّرني في بلاده، وحملني على دوابه، وطوى لي البعيد ودفع عني المكروه حتى أدخلني حرم أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحمد لله الذي جعلني من زوّار قبر وصي رسول الله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأشهد أنّ علياً عبد الله وأخو رسوله.
ثمَّ تدنو من القبر وتقول: السلام من الله والتسليم على محمد أمين الله...» ثمَّ ذكر تسليماً يعدِّد فيه خلال وخصال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحميدة، ثمَّ التسليم على أمير المؤمنين بنحو ذلك ويكثر من الصلوات عليهما وعلى آلهما، في ذكر طويل(1).
____________
(1) تهذيب الاَحكام 6 : 25.
________________________________________
( 92 )
غير انّ هناك نصّاً آخر مختصراً جامعاً لزيارته عليه السلام روي عن الاِمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، جاء فيه:
«تقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام : السلام عليك يا ولي الله، أنت أول مظلوم، وأول من غُصِبَ حقّه، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين.. وأشهد أنّك قد لقيت الله وأنت شهيد.. عذَّب الله قاتلك بأنواع العذاب وجدد عليه العذاب.. جئتك عارفاً بحقّك، مستبصراً بشأنك، معادياً لاَعدائك ومن ظلمك، ألقى على ذلك ربّي إن شاء الله، يا ولي الله إنّ لي ذنوباً كثيرةً فاشفع لي إلى ربّك عزّوجلّ، فإنّ لك عند الله مقاماً محموداً، وأنّ لك عند الله جاهاً وشفاعةً، وقال تعالى: ( ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى )»(1).
فالاغتسال قبل الدخول، ثمَّ الدخول بوقار واحترام وتواضع، والوقوف أولاً عن بعد وأداء السلام اللائق بعد تقديم الحمد لله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ثمَّ الدنو من القبر، وتجديد السلام بأليق الاَلفاظ وأجمعها لخصاله، ثمَّ الاِستشفاع به إلى الله تعالى على هذا النحو المذكور، وما يدور في مضمونه، تلك هي صورة الزيارة التي نقرأها في تراث أهل البيت عليهم السلام ، مع ما ورد من جواز مس القبر تبركاً به.
ثمَّ يحسن بعد ذلك أداء الوداع لصاحب القبر المزور قبل الخروج، كما يودّع لو كان حياً، وفيه من حسن الاَدب ما لا يخفى، ومما يقال فيه بعد تجديد السلام والعهد بالولاء: «اللهم إنّي أسألك أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّدٍ، ولا تجعله
____________
(1) تهذيب الاَحكام 6 : 28.
________________________________________
( 93 )
آخر العهد من زيارته، فإن جعلته فاحشرني مع هؤلاء الميامين الاَئمّة»(1).
2 ـ وهكذا ورد أيضاً مع كل زيارة، فبعد أداء الزيارة للاِمام الحسن عليه السلام : «تقف عند قبره كوقوفك عليه عند الزيارة، وتقول: السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته، استودعك الله وأسترعيك، وأقرأ عليك السلام، آمنّا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه، اللهم اكتبنا مع الشاهدين.. ثمَّ تسأل الله حاجتك وأن لا يجعله آخر العهد منك»(2).
3 ـ وفي زيارة قبر الاِمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام ورد التأكيد أوّلاً على الاغتسال بماء الفرات، ثمَّ تراعى الخطوات الآنفة، مع ملاحظة ما يخصّه عليه السلام من وقائع وأحداث: «إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام فائت الفرات واغتسل بحيال قبره، وتوجّه إليه وعليك السكينة والوقار حتى تدخل إلى القبر، من الجانب الشرقي، وقل حين تدخله: السلام على ملائكة الله المنزلين» ويكرر السلام على ملائكة الله ببعض خصالهم «فإذا استقبلت قبر الحسين عليه السلام ، فقل: السلام على رسول الله» ويستغرق في السلام والصلاة عليه، ثمَّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمَّ الاِمام الحسن عليه السلام ، ثمَّ الاِمام الحسين عليه السلام ، ثمَّ سائر الاَئمة «ثمَّ تأتي قبر الحسين فتقول: «السلام عليك يا ابن رسول الله» ويستغرق في التسليم عليه بأجمل خصاله، وكل خصاله جميلة، ويؤكد الولاء له، والبراءة من أعدائه «ثمَّ اجلس عند رأسه وقل: صلّى الله عليك،
____________
(1) تهذيب الاَحكام 6 : 30.
(2) تهذيب الاَحكام 6 : 41.
________________________________________
( 94 )
أشهد أنّك عبدالله وأمينه، بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً، وقُتلت صدّيقاً، ومضيت على يقين، ولم تؤثر عمىً على هدى، لم تَمِلْ من حقٍّ إلى باطل.. أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، واتّبعت الرسول وتلوت الكتاب حق تلاوته، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة...» «ثمَّ تحوّل عند رجليه وتخيّر من الدعاء، وتدعو لنفسك».
«ثمَّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين» وتسلّم عليه بما يليق بشأنه «ثمَّ تأتي قبور الشهداء وتسلّم عليهم» «ثمَّ ترجع إلى القبر ـ قبر الحسين عليه السلام ـ
... وإذا أردت أن تودعه فقل: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأقرأ عليك السلام.. اللهم لا تجعله آخر العهد منّا ومنه» ثمَّ يدعو له بالدرجة العالية الرفيعة(1).
وعلى هذا النحو سار أئمّة أهل البيت عليهم السلام في تعليم المسلمين سنن الزيارة وآدابها بعد أن كانوا قد علّموهم فضيلتها، ورغَّبوهم فيها، وحثّوهم عليها.
فحريٌّ بنا التزام هذه السنن والآداب، والحذر من مجاوزتها وفقاً لذوقٍ خاصٍّ او استحسانٍ عقلي، فكثيراً ما ينزلق الذوق الخاص والاستحسان بصاحبه إلى ما لا أصل له في الشريعة، وأحياناً إلى ما يتناقض مع سنن الشريعة وآدابها، ولنا في ما ثبت عنهم عليهم السلام كفاية في نيل فضيلة الزيارة وشرفها، فلو كانوا يرون في غير ذلك فضلاً لذكروه، وكفى بهذا حجَّةً للمتمسِّك بالسنن، وكفى به زاجراً للخارج عنها.
____________
(1) انظر: الكافي 4 : 572 ـ 575، من حديث الاِمام الصادق عليه السلام .
________________________________________
( 95 )
شبهات حول الزيارة
لم يناقش أحد في مشروعية الزيارة، بل الاتفاق حاصل على استحبابها وكونها قربة، لما ثبت فيها من النص والسيرة والاَثر، وإن ناقش بعضهم في النص، فإنه لم ينكر أصل الزيارة ومشروعيتها، وإنَّما وقع من بعضهم التمسك بشبهات داحضة تتصل ببعض الشؤون المتعلقة بالزيارة، وتنحصر هذه الشبهات في ثلاثة:
الشبهة الاَولى: حرمة شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة:
لقد ثبت في الفصول الثلاثة المتقدمة أن زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته في نفسها مستحبة، وأنها من القربات:
أولاً: لاَنّها داخلة في عموم زيارة القبور التي حثت عليها السنة النبوية المطهّرة.
ثانياً: لما ورد فيها على نحو الخصوص من تأكيد الفضيلة والاستحباب.
فكيف إذا ما توقفت الزيارة على السفر؟
وهل يجوز السفر من مكان بعيد بقصد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم بالمرتبة الاَولى؟
ليس يخفى أن بين الفعل وبين المقدمة التي يتوقف عليها الفعل ملازمة عقلية، فلا يمكن أن يتحقق الحج ما لم يتم السفر إلى ديار الحج.
وفي الاَحكام الواجبة يذهب أكثر الفقهاء إلى أن مقدمتها واجبة أيضاً، وهو
________________________________________
( 96 )
المراد بالقاعدة الفقهية المشهورة: «ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب»(1). أما الذين لا يرون إفراد المقدمة بحكم، فلاَنهم ذهبوا إلى أنه بين المقدمة وذي المقدمة ملازمة عقلية محضة لا تستدعي جعل أمر مولوي(2).
والملازمة العقلية ثابتة بين المندوب وملازمه، من هنا ذهب أكثر الفقهاء إلى أن المقدمة التي يتوقف عليها الحكم المستحب هي مستحبة أيضاً، تبعاً للقول بأن المتلازمين تلازم العلّة والمعلول يجب أن يأخذا حكماً متماثلاً.. وأدنى ما يقال إن الملازم للمندوب لابد أن يكون مباحاً، فلايمكن أن يكون محرماً أو مكروهاً وهو شرط لازم لاِتيان المستحب.
ولما كانت زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبة في نفسها، وقد توقفت على السفر إلى حيث مرقده الشريف، فلابد أن يكون السفر بقصد الزيارة مباحاً، إن لم يكن مستحباً هو الآخر.
ومن ناحية ثانية: فإن النصوص الواردة في الزيارة تثبت أن السفر بقصد الزيارة قربة، أيضاً، ذلك:
1 ـ لاَنّ النص على الزيارة يتضمن السفر أيضاً، إذ الزيارة تستدعي الانتقال إلى مكان المزور؛ قريباً كان أو بعيداً، فالزيارة إذ كانت تعني الحضور عند المزور فقد استدعت الانتقال إلى المكان الذي هو فيه، وهو السفر، وإذا كانت الزيارة تعني الانتقال إلى المزور بقصد الحضور عنده؛ فالسفر بهذا القصد هو المنصوص عليه إذن في كل ما تقدم من الاَحاديث الحاثة على الزيارة.
____________
(1) راجع: شرح القواعد الفقهية| أحمد الزرقا :486، والقواعد الفقهية| علي أحمد الندوي :345.
(2) الاَصول العامة للفقه المقارن| محمد تقي الحكيم: 67.
________________________________________
( 97 )
2 ـ ولاَنّ السفر بقصد الزيارة هو ظاهر الطلب وموضع الحث في بعض النصوص:
ـ كما في قوله تعالى: ( ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابّاً رحيماً ) فمجيؤهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو متعلِّق التوبة والرحمة، فلم يطلب منهم الاستغفار وحده، بل طلب أولاً مجيئهم إلى الرسول ثمَّ الاستغفار بحضرته ليستغفر لهم هو صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا أمر صريح بالسفر إلى الرسول، وقد رأينا الاتفاق على أن مشروعيته ثابتة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما كانت ثابتة في حياته.
ـ وكما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من جاءني زائراً لا تُعْمِلُهُ حاجة إلاّ زيارتي» فإنّه صريح في السفر بقصد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يشترك معها قصد آخر.
ـ وهكذا كلُّ حديثٍ يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم : «من زارني ـ أو ـ من زار قبري» فإنّه عامٌّ يدخل فيه القريب والبعيد.
هذه المقدمة كافية لوحدها في إثبات بطلان ما تمسك به البعض في تحريم السفر بقصد الزيارة، إضافةً إلى ما تنطوي عليه شبهتهم من تهافت واضح..
وهي شبهة قائمة على فهم حرفي خاطئ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الاَقصى».
فقال هؤلاء: هذا يعني أنّ السفر إلى غير هذه الاَماكن الثلاثة حرام! وأنّ السفر بأي قصد غير قصد هذه الاَماكن الثلاثة تعظيماً، والصلاة فيها حرام!!
قال بهذا نفر من المفرطين في السطحية في فهم النص، فلما انتصر له ابن تيمية
________________________________________
( 98 )
أصبح هو مذهب دعاة السلفية حتى اليوم..(1).
وهذه الشبهة مردودة؛ أولاً: بما تقدم في الفصول السابقة. وثانياً: بالمقدمة الآنفة الذكر. وثالثاً: بالحديث الذي تمسكوا به نفسه.
فالحديث يقول: «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد».
والاستثناء هنا يعود إما إلى المساجد، فيكون المعنى: لا يجوز شدّ الرحال لشيء من المساجد تعظيماً لها، إلاّ المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث.. وهذا هو الراجح، لاَنه لا يتعارض مع أوامر الشريعة، أو حثها على شدّ الرحال إلى أماكن كثيرة وبمقاصد كثيرة، كما لا يتعارض مع واقع السيرة النبوية الشريفة وسيرة المسلمين، كما سيأتي.
أو أنه استثناء من شدّ الرحال، فيكون المعنى: لا يجوز شدّ الرحال إلى شيء من الاَماكن إلاّ المساجد الثلاثة.. وهذا هو الذي تمسك به أصحاب هذه الشبهة.
وليس لهذا الكلام معنى إلاّ أن يراد به قصد مكان من الاَماكن تعظيماً له بذاته، ولذلك جعلوا النذر بالسفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة ليس ملزماً..
وعلى هذا المعنى سوف يخرج كل سفر إلى أي مكان من الاَماكن، لا بقصد تعظيمه بذاته، بل لخصوصية فيه، من حكم النهي.. فشدّ الرحال إلى مكان ما لغرض طلب العلم، ليس هو تعظيماً للمكان المقصود بذاته.. وشدّ الرحال إلى مواقع الجهاد أو لحماية الثغور أو لصلة الرحم ونحو ذلك، ليس فيه شيء من تعظيم الاَماكن المقصودة، فليست هذه الاَماكن هي علّة السفر لعظمة شأنها، وإنَّما هي غاية السفر لخصوصيات فيها.
____________
(1) انظر: كتاب الزيارة| ابن تيمية :18 ـ 21، المسألة الثانية.
________________________________________
( 99 )
وهكذا يقال في شأن الزيارة، فلم يكن موقع القبر هو علّة السفر، وإنّما علّة السفر هو من فيه، فهو بهذا خارج أيضاً عن حكم النهي.
ولا يمكن قبول أي تفسير آخر للحديث يحرّم السفر إلى أي مكان غير المساجد الثلاثة بأي قصد كان، فالسفر في طلب العلم قد يرقى إلى الوجوب الكفائي أحياناً، وكم شدّ الرحال تابعون كبار في طلب حديث واحد عند رجل في مكان ناءٍ.. والهجرة قد تجب أحياناً، كما كان في الهجرة من مكة إلى المدينة، ولقد هاجرت أسرة ابن تيمية نفسه من حرّان إلى دمشق فراراً بحياتهم من المغول.. وهكذا القول مع الجهاد وسدّ الثغور وصلة الرحم، وإسداء النصح، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من المقاصد التي حثت عليها الشريعة.
وهذا ما يفسّر ورود الحديث بصيغة أُخرى ليس فيها نهي ولا تخصيص، فقد جاء في رواية معمر عن الزهري: «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد» أخرجه مسلم(1).
وقد قال بعض العلماء: الصحيح إباحة السفر لزيارة القبور والمشاهد، وجواز القصر فيه(2)، لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً، وكان يزور القبور، وقال: «زوروها تذكّركم الآخرة». وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» فيحمل على نفي الفضيلة، لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر، ولا يضرّ انتفاؤها(3).
____________
(1) صحيح مسلم ـ كتاب الحج ـ باب لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد.
(2) اي قصر الصلاة، إذ لا يجوز القصر في الاَسفار المحرمة.
(3) المغني| ابن قدامة 2 : 103.
________________________________________
( 100 )
والمراد بنفي الفضيلة هو أن المساجد الاَخرى متساوية في الفضل، فلا معنى لتفضيل بعضها على بعض.
وقال الغزالي في آداب السفر: القسم الثاني أن يسافر لاَجل العبادة، إما لجهاد، أو حج.. ويدخل في جملته زيارة قبور الاَنبياء عليهم السلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والاَولياء، وكل من يُتبَرّك بمشاهدته في حياته يُتبرك بزيارته بعد وفاته. ويجوز شد الرحال لهذا الغرض، ولا يمنع من هذا قوله عليه السلام : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الاَقصى» لاَن ذلك في المساجد، فإنها متماثلة بعد هذه المساجد، وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الاَنبياء والاَولياء والعلماء في أصل الفضل، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله تعالى.
قال: أما البقاع فلا معنى لزيارتها سوى المساجد الثلاثة، وسوى الثغور للرباط بها، فالحديث ظاهر في أنه لا تشدّ الرحال لطلب بركة البقاع إلاّ إلى المساجد الثلاثة(1).
ثمَّ تمسّك أصحاب هذه الشبهة بأنّ السلام والدعاء يصل الموتى من بعد، فلم يبقَ في الزيارة إلاّ قصد الاَماكن، وهو منهي عنه في الحديث.
وهذا مردود؛
أولاً: بأن الزائر لا يقصد البقعة بذاتها، وإنَّما يقصد زيارة مَنْ فيها.
وثانياً: هو مردود أيضاً بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يخرج إلى البقيع مراراً، كما تقدم في حديث عائشة، ويخرج إلى قبور الشهداء خارج المدينة، ليسلّم عليهم
____________
(1) إحياء علوم الدين 2 : 398 ـ كتاب آداب السفر ـ ط دار الوعي بحلب.
________________________________________
( 101 )
ويدعو لهم، وقد كان يكفيه ذلك من مكانه لو كان الاَمر كما يقولون، فلِمَ كان يخرج إلى القبور ويقف عندها، ويأمر أصحابه بزيارتها؟
هذا وقد وضع أصحاب هذه الشبهة فتاوى مختلفة، كشف عنها السبكي وكشف زورها(1).
الشبهة الثانية: إنّ السفر بقصد الزيارة بدعة!
وهي مترتِّبة على الشبهة الاَولى..
قال ابن تيمية، موهماً كعادته، أنه ينقل عن أهل العلم إجماعهم، (قالوا: ولاَن السفر إلى زيارة قبور الاَنبياء والصالحين بدعة، لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعله فهو مخالف للسنّة ولاِجماع المسلمين).
ثمَّ أسند قوله هذا إلى ابن بطة وحده في (الاِبانة الصغرى).
وسيسوقه هذا القول إلى التكذيب بكل الاَحاديث التي وردت في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد صنع ذلك، فقال: (ليس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة قبره ولا قبر الخليل حديثاً ثابتاً أصلاً)(2)وقال أيضاً: (والاَحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة، بل موضوعة، ولم يرو الاَئمة ولا أصحاب السنن المتبعة كسنن أبي داوود والنسائي ونحوهما فيها شيئاً)(3).
____________
(1) راجع شفاء السقام :126 ـ 127.
(2) كتاب الزيارة :12 ـ 13 ـ المسألة الاَولى.
(3) كتاب الزيارة :38 ـ المسألة الرابعة.
________________________________________
( 102 )
وفيه:
1 ـ إنّ الاَحاديث التي مرّ ذكرها في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وحتى القسم الاَخير منها لم يقع في إسانيدها من هو متهم بالكذب والوضع، فكيف يقال انّها كلها موضوعة؟!
2 ـ لقد عاد ابن تيمية نفسه إلى كتب السنن المتبعة، ولابدّ له أن يعود فهي مبثوثة بين أيدي الناس، وليعترف أن الحديث في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم قد أخرجه الدارقطني وابن ماجة!(1) وفيه ردّ لقوله الاَول.
3 ـ ومن كلام ابن تيمية نفسه في كتاب آخر له نأتي على نقيض ما اعتمده هنا، ينفيه ويثبت ضدّه، فهو حين كان في معرض الحديث عن موضع رأس الحسين عليه السلام وتخطئة من يذهب إلى أنه دفن في عسقلان أو القاهرة، قال: (فإذا كانت تلك البقع لم يكن الناس ينتابونها ولا يقصدونها، وإنَّما كانوا ينتابون كربلاء لاَن البدن هناك، كان دليلاً على أن الناس في ما مضى لم يكونوا يعتقدون أن الرأس في شيء من هذه البقاع). ثمَّ قال: (ولكن الذي اعتقدوه هو وجود البدن في كربلاء، حتى كانوا ينتابونه في زمن أحمد وغيره، حتى أنّ في مسائله(2): (مسائل في ما يُفعل عند قبره) ـ أي قبر الحسين عليه السلام ـ ذكرها أبو بكر الخلال في جامعه الكبير في زيارة المشاهد)(3).
4 ـ في اعتماد ابن تيمية على ابن بَطّة مسألتان:
____________
(1) كتاب الزيارة :19 ـ المسألة الثانية.
(2) يعني مسائل أحمد بن حنبل.
(3) رأس الحسين| ابن تيمية :206 مطبوع مع استشهاد الحسين للطبري.
________________________________________
( 103 )
الاَولى: ان لابن بَطّة كتابه المعروف بـ(الاِبانة الكبرى) وقد أثبت فيه خلاف ما نقله عنه ابن تيمية في حق قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، نقله عنه السبكي(1).
والثانية: إن ابن بَطّة وإن كان قد وصفوه بالصلاح غير أنّهم وصفوه أيضاً بالضعف والاضطراب الكثير. قال الذهبي: لابن بَطّة مع فضله أوهام وغلط.. وقال: قال عبيدالله الاَزهري: ابن بطة ضعيف، وعندي عنه (معجم البغوي) ولا أُخرج عنه في الصحيح شيئاً.
ونقل الخطيب البغدادي عن الاَزهري قوله في ابن بطة: ضعيف، ضعيف، ضعيف، ليس بحجة(2).
ثمَّ ان ابن تيمية لم يذكر أحداً من الذين قال عنهم أنهم «قالوا» غير ابن بطة هذا!!
ومن ناحية أُخرى فقد بقي لابن تيمية والقائلين بقوله في الموضوع حجتان:
الاَولى في غاية الطرافة؛ إذ يقول: إنّ النبي ليلة الاِسراء لم يذهب لزيارة قبر إبراهيم الخليل!!
فهل في هذا ما يحتجّ به على نفي مشروعية الزيارة؟ وهل كل شيء لم يفعله النبي في رحلة الاسراء لم يعد مشروعاً؟ فهو صلى الله عليه وآله وسلم في رحلته تلك لم يدعُ أحداً إلى عبادة الله تعالى! ولا كسر صنماً! ولا وصل رحماً، ولا عاد مريضاً، ولا دخل مسجداً!! فعل يحتج بذلك ذو منطق؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شغله، في ما هو فوق ذلك كلّه، في رحلة قاده فيها جبرئيل إلى حيث قاده، ثمَّ عاد به إلى مضجعه ولمّا يبرد بعد.
____________
(1) شفاء السقام :146.
(2) سير أعلام النبلاء 16:529 ـ 533، تاريخ بغداد 10:371 ـ 375.
________________________________________
( 104 )
انّها واحدة من أساليب التهويل والاستحواذ على السامع والقارئ من المقلّدين خاصّة.
والثانية داحضة هي الاَخرى؛ وهي تمسكه بالحديث «لا تجعلوا قبري عيداً» وقد اعتمد فيه الرواية المنسوبة إلى الحسن بن الاِمام الحسن عليه السلام ، وقد رأى رجلاً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو له ويصلّي عليه، فقال له: لا تفعل فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلّوا عليّ حيث ما كنتم فإنّ صلاتكم تبلغني».
وعن هذا الخبر قال الذهبي: مرسل(1).
وتقدّم مثله عن الاِمام علي بن الحسين عليهما السلام ، وفي إسناده رجل مجهول، وقد تقدم الحديث فيه.
وحديث «لا تجعلوا قبري عيداً» أخرجه أبو داود في سننه(2)، وفي إسناده عبدالله بن نافع الصائغ المخزومي، قدح فيه غير واحد من أهل الجرح والتعديل:
قال فيه أحمد بن حنبل: لم يكن صاحب حديث، كان ضعيفاً فيه، ولم يكن في الحديث بذاك.
وقال البخاري: في حفظه شيء، وقال أيضاً: يُعرف حفظه ويُنكر. ومثله قال أبو حاتم الرازي، وزاد: هو ليّن، ليس بالحافظ.
ووثقه يحيى بن معين.. وقال أبو زرعة: لا بأس به.. ومثله قال النسائي.
وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان
____________
(1) سير أعلام النبلاء 4 : 484 ترجمة الحسن بن الحسن السبط عليه السلام .
(2) سنن أبي داود 1 : 453|2042.
________________________________________
( 105 )
صحيح الكتاب، وإذا حدّث من حفظه ربّما أخطأ.. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم..(1)وهكذا اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، يظهر منه أن الغالب عليه الضعف والخطأ في الحفظ، لكنه لم يتهم بوضع وكذب.
والنتيجة أنّ هذا الحديث لم يرد بطريق صحيح، فلا معنى لاحتجاج ابن تيمية به وهو يرد أحاديث الزيارة بدعوى أنها لم ترد بطرق صحيحة.
وعند قبول الحديث لكون رواته غير متهمين بالوضع، مع أنه ورد في أكثر من طريق وان اختلف اللفظ يسيراً، فلا يصح تفسيره منفرداً عن الاَحاديث الاَخرى المتعلقة بموضوع زيارة قبره الشريف وزيارة سائر القبور، فالاِجتزاء سيؤدي إلى تشويه الحقيقة، وظهورها بمظاهر متعددة، والحكم الموضوعي يقتضي النظر والتدبر في ما يتعلق بموضوع البحث من حديث وأثر للخروج بالتصور الجامع للموضوع وأبعاده، عندئذٍ لا يصح تفسير «العيد» هنا بمطلق الوفود او اجتماع الناس عند القبر لقصدهم زيارته، مع وجود الاَحاديث التي تحث على الزيارة، وتأييد ذلك بالاَثر الثابت.. وقد تقدم الجمع بين بعض هذه الاَحاديث والآثار عند مناقشة الخبر الوارد عن الاِمام علي بن الحسين عليهما السلام بهذا الشأن.
ولهذا أيضاً أورد بعض العلماء تفاسير أُخرى للمراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تجعلوا قبري عيداً»..
ـ أن يكون المراد الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وأن لا يهمل حتى لا يزار إلاّ في بعض الاَوقات، كالعيد الذي لا يأتي في العام إلاّ مرّتين.. ويؤيده ما جاء في الحديث نفسه: «ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً» أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم
____________
(1) تهذيب التهذيب 6 : 46 ـ 48|99.
________________________________________
( 106 )
حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلّى فيها.
ـ أو أن يكون المراد لا تتخذوا له وقتاً مخصوصاً لا تكون الزيارة إلاّ فيه، كما هو الحال في بعض المشاهد التي جعل الناس يوماً معيناً لزيارتها، وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيها يوم بعينه، بل أي يوم كان.
ـ أو أن يكون المراد أن لا يجعل كالعيد في العكوف عليه والاجتماع وغير ذلك مما يُعمل في الاَعياد، بل لا يؤتى إلاّ للزيارة والسلام والدعاء ثمَّ ينصرف عنه(1).
ـ أو أن الحديث في غير ذلك، إذ إنّ الذي جاء في حديث الحسن المثنّى: «لا تجعلوا بيتي عيداً» ولم يذكر القبر، والقرينة على ذلك ما جاء بعده «ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً»(2).
ولاَجل التناقض بين ما يفهم من حديث الحسن المثنى وهو الفهم الذي اعتمده المنكرون للزيارة، وبين ما ورد في الزيارة من الحديث والاَثر، علّق الذهبي على حديث الحسن السابق الذكر قائلاً:
ما استدلّ حَسَنٌ في فتواه بطائل من الدلالة، فمن وقف عند الجمرة المقدّسة ذليلاً، مُسَلِّماً مصلياً على نبيه، فيا طوبى له، فقد أحسن الزيارة، وأجمل في التذلّل والحب، وقد أتى بعبادة زائدة على من صلّى عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه، والمصلّي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط، فمن صلّى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً، ولكنّ من زاره ـ صلوات الله عليه
____________
(1) راجع شفاء السقام :80.
(2) هامش المحقق في| شفاء السقام :187 ـ الطبعة المحققة.
________________________________________
( 107 )
ـ وأساء أدب الزيارة، أو سجد للقبر، أو فعل ما لا يُشرع، فهذا فعل حسناً وسيئاً، فيُعَلَّم برفق، والله غفور رحيم.
فوالله ما يحصل الانزعاج لمسلم والصياح وتقبيل الجدران وكثرة البكاء إلاّ وهو محب لله ولرسوله، فحبّه المعيار الفارق بين أهل الجنّة وأهل النار.
فزيارة قبره من أفضل القُرَب، وشدّ الرحال إلى قبور الاَنبياء والاَولياء، لئن سلّمنا أنّه غير مأذون فيه لعموم قوله صلوات الله عليه: «لا تُشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» فشدّ الرحال إلى نبيّنا مستلزم لشدّ الرحل إلى مسجده، وذلك مشروع بلا نزاع، إذ لا وصول إلى حجرته إلاّ بعد الدخول إلى مسجده، فليبدأ بتحية المسجد، ثمَّ بتحية صاحب المسجد، رزقنا الله ذلك وإيّاكم، آمين(1).
الشبهة الثالثة: إنّ الزيارة تفضي إلى الشرك
قد يجاوز بعض الجهلاء الحد حين يغلبه الوجد، ولا فقه له ولا علم، فيسجد للقبر، وهذا أمر منكر لا يقرّه أحد بأي عذر، والواجب تعليم الجاهل وزجره عن هذا ونظائره من الاَفعال التي لا تستقيم مع الشرع، ولا مع أدب الزيارة، ولهذا ونظائره أوجب الله تعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجب على العالم أن يظهر علمه، وإلاّ لعنه الله وأبعده عن ساحة رضاه.
أما ابن تيمية فقد جعل هذا ذريعة إلى تحريم الذهاب إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقصد الزيارة حتى من قرب، قائلاً: إن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد، كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى: ( وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرُنّ وُدّاً ولا
____________
(1) سير أعلام النبلاء 4 : 484 ـ 485 ترجمة الحسن المثنى.
________________________________________
( 108 )
سُواعاً ولا يغَوث ويعوقَ ونسرا ) قالوا: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلمّا ماتوا عكفوا على قبورهم ثمَّ صوّروا على صورهم تماثيل، ثمَّ طال عليهم الاَمد فعبدوها... قال: وقد ثبت عنه في الصحيح أنّه قال: «إنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك». واحتجّ أيضاً بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وعلى هذا قال: كان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلّموا عليه وأرادوا الدعاء، دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر(1).
وهذا ممّا لا يحتجُّ به ذو معرفة، فهل كان على الله تعالى أن لا يبعث نبياً، سدّاً للذرائع، إذا كانت أمة سالفة قد عبدت نبيّها وألَّهته؟! أم عليه تعالى إذا بعث نبيّاً ألاّ يُميته؟! وإذا أماته أن يرفعه إلى السماء لئلاّ يُدفن بين أمّته فيتخذون قبره مسجداً؟!
لقد بيّنت الشريعة التوحيد وحدوده، والشرك وحدوده، وحتى الشرك الاَصغر، ليجتنبه الناس ولا يخلطون بعباداتهم، وطاعاتهم وأعمالهم ومعتقداتهم شيئاً ممّا يدخل تحت عنوان الشرك، ليبقى الواجب واجباً، والمندوب مندوباً، والمباح مباحاً، كلٌّ على صورته المشروعة، وما يظهر من بدع في طريق الناس وأساليبهم يردّ عليهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : «مَن أدخل في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ».
وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بزيارة قبور إخوانهم، فهل يعني أنه أباح لهم إقامة الاَوثان عليها والسجود لها؟
____________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 27 : 184 ـ 192، ونحوه في| زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور :29 ـ 30.
________________________________________
( 109 )
لقد أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها بعد أن علَّمهم آدابها وسننها، ونهاهم عن المحرم فيها، وهذا هو الاَصل في الزيارة في غيرها.
ولقد كان النصارى حتى قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يشركون بالله في صلواتهم فيجعلونه ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فهل من واجب الموحِّد فيهم أن ينهاهم عن الصلاة لما خالطها من شرك!! أم الواجب عليه تبيين حدودها وآدابها ونفي كل ما خالطها من بدع وضلالات؟ أم كان على خاتم الاَنبياء أن يحرِّم الصلاة سدّاً للذرائع؟!
هذا مما لا يقوله عاقل.. غير أن عادة ابن تيمية التهويل في الاَمور، وإغراء الناس بالاِيهام والمغالطة والتلبيس، وقد يسوق هذا إلى الكذب والافتراء، وكثيراً ما وقع فيهما!! وها هو الآن يرتكبهما في قوله: (كان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلّموا عليه وأرادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر). وافترى على مالك بن أنس وكذّب فيه المالكية كلّهم، ومذهبم قائم على هذا، وقد نقلوه عن إمامهم مالك بأسانيدهم العالية عن أوثق أصحابه وأكثرهم معرفة به.. وحتى لو صح مدّعاه، ولا يصح، فإنّما هو عليه، لا له، ففيه شهادة بزيارتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء عنده، ولا يضرّ في ذلك استقبال القبر عند الدعاء او استدباره واستقبال القبلة. وقد قدمنا على الهيئتين كثيراً من أثر السلف.
ويغض ابن تيمية الطرف عن كل ما لا يوافق هواه من أثر السلف.. وحين يختلف من السلف اثنان يتمسك هو بمذهب المروانية منهم ويهجر من خالفه، ولو كان من أشرف الصحابة، وأكثرهم علماً..
فلقد وقع النزاع في شيء من هذا عند القبر الشريف بين مروان بن الحكم وبين
________________________________________
( 110 )
أبي أيوب الاَنصاري:
أقبل مروان بن الحكم، فإذا رجل ملتزم القبر، فأخذ مروان برقبته، ثمَّ قال: هل تدري ما تصنع؟
فأقبل عليه، فإذا هو أبو أيوب الاَنصاري رضي الله عنه ، فقال: نعم، إنّي لم آتِ الحَجَر، إنّما جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثمَّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله»!
أخرجه أحمد في مسنده، وصحَّحه الحاكم والذهبي(1).
نعم، صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله..
ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله..
ومن غريب اختلاقات ابن تيمية هنا قوله: فهم دفنوه في حجرة عائشة خلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء، لئلاّ يصلّي أحد عند قبره ويتخذه مسجداً، فيُتَّخذ قبره وثناً!
وهذا تهويل وافتراء، فما كان شيء من هذا يدور في خلد أحدهم وإنَّما دفنوه هناك لقولهم إن الاَنبياء يُدفنون حيث قبضوا، بل رفعوا القول إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؛ قال المؤرخون: لمّا توفِّي النبيُّ اختلفوا في موضع دفنه؛ فقال قائل: في البقيع، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الاستغفار لهم.. وقال قائل: عند منبره.. وقال قائل: في مصلاّه.. فجاء أبو بكر فقال: إنّ عندي من هذا خبراً وعلماً، سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) مسند أحمد 5 : 423، والمستدرك 4 : 560|8571.
________________________________________
( 111 )
يقول: «ما قُبض نبيٌّ إلاّ دُفِن حيث تُوفِّي»(1).
هذه رواية ابن إسحاق والواقدي، أمّا في رواية أبان بن عثمان الاَحمر فإنّ قائل ذلك هو عليٌّ عليه السلام ؛ قال أبان: وخاض المسلمون في موضع دفنه، فقال عليٌّ عليه السلام : «إنّ الله سبحانه لم يقبض نبيّاً في مكان إلاّ وارتضاه لرمسه فيه، وإنّي دافنه في حجرته التي قُبض فيها» فرضي المسلمون بذلك(2).
وأياً كان القائل، فإنّ ما ذكره ابن تيمية لم يكن ليخطر ببال أحدهم على الاطلاق، ناهيك عمّا تنطوي عليه كلمته من تصوّر الاِجماع أو ما هو قريب به!!
تلك هي شبهاتهم، لا تقوم إلاّ على الذوق الخاص الذي لا يستقيم مع منطقٍ متجرِّدٍ، ولا يسنده دليل..
____________
(1) انظر: السيرة النبوية| ابن هشام 4 : 256، السيرة النبوية| الذهبي 2 : 481، والنص منه.
(2) إعلام الورى| الطبرسي 1 : 27.